الشيخ خليل ياروب الساحوري (وفاة 2019م)، مستبصر من تشيلي، ومفكر إسلامي من منطقة أمريكا اللاتينية، وهو أول طالب حوزوي من تشيلي يدرس في الحوزة العلمية بقم المقدسة. كان من أعضاء المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، وعمل لمدة عشر سنوات مع وكالة أهل البيت (ع) للأنباء (ابنا)، كما كان من المترجمين باللغة الإسبانية للموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت (ويكي شيعة).
كان الشيخ الساحوري من جملة الشباب الذين تعرّفوا على مدرسة أهل البيت (ع) عن طريق ثورة الإمام الخميني في إيران. كما كان مسيحيا، لكن لم يقتنع بهذه الديانة، فأخذ يطالع عن الإسلام وفي نهاية المطاف أسلم واعتنق مذهب التشيع.
سافر الساحوري إلى إيران وأخذ يدرس في الحوزة العلمية بقم، وخلال سنوات متمادية قضاها في تلقي الدراسات الحوزوية، اهتم بأمر التبليغ ونشر تعاليم القرآن ومعارف أهل البيت (ع)، كما حاول أن يعرّف الإسلام للعديد من مواطنيه، ومن جملتهم والدته وأخوه، فمهّد لهم الأرضية لأن يعتنقوا الإسلام.
حياته
ولد خليل الساحوري في تشيلي، وكان والده من أصل إسباني وينتمي للمسيحية الكاثوليكية، وكانت والدته من أصل فلسطيني وتنتمي للمسيحية الأرثدوكسية، وكان آباؤه قد سكنوا بيت اللحم طوال 1500 عام، وبعد الحرب العالمية الأولى هاجروا إلى تشيلي.
قضى الساحوري سنتين من شبابه يطالع الكتاب المقدس للمسیحية، وبعد أن وجد فيها أخطاء واضحة ومعارضة للفطرة البشرية، مثل القبول بالأب والابن وروح القدس كإله واحد، أخذ يبحث عن الحقيقة، لكن لم يجد جوابا مقنعا في المسيحية وكتبها المقدسة، وبعد بحث كثير حول المسيحية وصل إلى أن هذا الدين لا يقنع الإنسان في اعتقاداته، وأحيانا لا يسير بالمنهج المنطقي. واعتبر الساحوري أن السبب في ذلك هو التحريف الذي وقع في الديانة المسيحية عبر التاريخ، ولهذا قرّر الساحوري أن یتخلى عن المسيحية.
ثم أخذ يبحث في أديان أخرى كالبوذية واليهودية والزرادشتيه، ووجد أنها أيضا تعاني من بعض المشاكل في مختلف المجالات الفكرية والعملية، فأقبل على الفرق الفلسفية، فبدأ بدراسة بالماركسية، ووجدها لا قيمة لها، لغياب البعد الماورائي والمعنوي عنها، واقتصارها على المادة وواقعيات العالم المادي.
وأعرب الساحوري في مقابلة صحفية أنّه كان يبحث عن دين يبتني على توحيد الله، حيث كان يعتقد بأن وجود الآلهة المتعددة غير ممكن عقلاً، كذلك يبحث عن دين يلبّي حاجات الإنسان الفردية والاجتماعية والسياسية، ويقدّم نظاما وبرنامجا متكاملاً. والملفت للنظر أن الساحوري يؤكد أنّ الدين المرجو لا بدّ أن يعتبر الصهيونية أكبر خطر وتهديد على البشرية، ويقدر على مجابهتها والانتصار عليها.
التعرّف على الإسلام والتشيع
تعرّف الساحوري على الإسلام بعد مشاهدة العلائم الموجودة في الكتب المقدسة عن نبي الإسلام (ص)، فاتصل ببعض المؤسسات الثقافية الإسلامية، وعندما عرف القرآن انصبّ على مطالعته لمدة سنتين، وأعجب به وبنوره، وتعجّب مما ورد في سورة مريم وسورة يوسف، وكذلك من وجود أسماء الأنبياء في كتاب المسلمين. وبعد مدة تعرّف على الثورة الإسلامية الإيرانية ومذهب الشيعة والإمام الخميني، فأخذ يطالع كتب الإمام الخميني وخطاباته حول الآخرة، والتوحيد، والعدالة، فوجد فيها أجوبة لأسئلته، وأعجب بشخصية الإمام الخميني وأفكاره، فقال عن ذلك إنّ وجه الإمام الخميني جذاب، ويذكّره بالسيد المسيح تماماً.
ورغبته في الإسلام جعلته يتردّد في مساجد المسلمين في عاصمة تشيلي، وبعد مدة تواصل مع السفارة الإيرانية، فوفّرت له السفارة كتباً عن الإسلام وولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما أدى أخيرا إلى اعتناقه للإسلام وهو في سن 21 من عمره.
كان الساحوري يعتقد أن الأجوبة التي قدّمها الإسلام هي أكثر من الشبهات والأسئلة الموجودة في ذهنه عن الدين وعن الله، وإنّ الإسلام إلى جانب تاكيده على التوحيد يرسم صورة جميلة ومنطقية عن الله، وإنّ رؤية الإسلام حول مختلف المسائل الاعتقادية رؤية منطقية توافق الفطرة الإنسانية.
وعن العامل الرئيس في انتمائه لمذهب التشيع قال إنّ نظرية ولاية الفقيه والآراء الراقية التي تقدّمها عن دور الدين في المجتمع، وكذلك الأدلة القوية التي تعتمد عليها هي التي دفعته إلى اختيار هذا المذهب، وقال أيضا إنّ هذه النظرية أفضل وأرقى بكثير مما كان يبحث عنه.
السفر إلى إيران والدراسة في الحوزة العلمية بقم
أخذ خليل الساحوري بالدراسة والعمل معاً بعد انتمائه للتشيع، لكن شعر بأنّ اهتدائه إلى الحق يُحتّم عليه أن يقوم بمساعدة الباحثين عن الإسلام والتشيع، أو الذين اعتنقوا الإسلام، لكن ليس لديهم معرفة كاملة به وبأحكامه، کما أنّ عدم وجود من يبلّغ وينشر الإسلام والتشيع في تشيلي جعله يفكر في السفر إلى إيران؛ ليتلقى العلوم الإسلامية فیها، ثم يعلّمها لمواطنيه. فشد الرحال مع زوجته إلى إيران وبدأ بالدراسة في جامعة المصطفى العالمية بمدينة قم، وأثناء دراسته كان يقوم بترجمة كتب إسبانية وبعض الأخبار عن الشيعة في العالم باللغة الفارسية.
وفاته
توفي الشيخ الساحوري في 3 أكتوبر 2019م، إثر مرض في كبده، ودفن في مزار علي بن جعفر الصادق (ع) في قم، بجانب قبور الشهداء. وأصدر الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع) آية الله رمضاني رسالة تعزية بوفاته.
المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، منظمة غير حكومية وعالمية شيعية تعنى بنشر معارف أهل البيت عليهم السلام وترسيخ الوحدة الإسلامية والعمل على اكتشاف وتنظيم أتباع العترة الطاهرة (ع) وتعليمهم ودعمهم.
أنشئت المنظمة علي يد نخبة من الشيعة ويشرف عليها الولي الفقيه والمرجعية الشيعية العليا.
قد قامت المنظمة منذ تأسيسها بدور إيجابي في المستوي العالمي في ترسيخ أسس الوحدة بين مختلف المذاهب الإسلامية.