آية الله الحاج الشيخ محمد علي التسخيري (1944 - 2020 م)، من العلماء البارزين الشيعة، ومن الشخصيات الدولية في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، والمدافعين عن الوحدة الإسلامية. كرّس حياته المباركة في سبيل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتعزيز الوحدة بين المسلمين، حيث إن اسمه يتألق أينما كان الحديث عن التقريب بين المسلمين والوحدة الإسلامية.
كان آية الله التسخيري ممثل أهالي طهران في الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة، ورئيس الهيئة العليا للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وعضوًا في المجلس المركزي لجماعة علماء الدين المجاهدين. ومن نشاطاته الأخرى، الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت(ع)، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وممثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللجنة الشرعية للبنك الإسلامي للتنمية، كما كان الممثل الرسمي الوحيد للشيعة الاثني عشرية في مجمع الفقه الإسلامي بجدة (التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي). وإضافة إلى نشاطه السياسي والديني، ترك تأليفات قيمة في مجال التقريب بين المذاهب، والوحدة بين المسلمين.
السيرة الذاتية
ولد الشيخ محمد علي التسخيري عام 1944م في النجف الأشرف في أسرة دينية. والده الحاج الشيخ علي أكبر من تنكابن في محافظة مازندران الإيرانية. أكمل الشيخ التسخيري دراسته الابتدائية في مدرسة (منتدى النشر) التي كان يُديرها الشيخ محمد رضا المظفر، ثم دخل كلية الفقه في النجف عام 1962م، وبدأ بدراسة اللغة العربية والفقه، وأصول الفقه، كما حصل على شهادة الماجستير من جامعة المصطفى العالمية.
الدراسة الحوزوية
بدأ آية الله التسخيري دراسته الحوزوية تزامنا مع دراسته الأكاديمية في كلية الفقه بالنجف، وبعد أن أكمل درس السطوح عند آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني، وآية الله السيد محمد رجائي الموسوي، بدأ دروس البحث الخارج عند أساتذة ومراجع النجف، أمثال: السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد تقي الحكيم، والميرزا جواد التبريزي. ودرس الشعر والأدب عند الشيخ محمد رضا المظفر، وفي عام 1972م ذهب إلى الحوزة العلمية في قم، وشارك في دروس آية الله السيد محمد رضا الكلبايكاني، وآية الله ميرزا هاشم الآملي، وآية الله وحيد الخراساني.
أثناء دراسته في حوزة النجف العلمية، قام المرحوم التسخيري بتدريس بعض الدروس الرائجة في الحوزة العلمية، كما أنه بعد دخوله لحوزة قم وتزامناً مع دراسته، قام بالتدريس في الحوزة وبعض المراكز الجامعية كجامعة الإمام الصادق (ع)، وجامعة جيلان، وجامعة أصول الدين في قم.
العضوية في حزب الدعوة والإخراج من العراق
في عام 1965م أصبح آية الله التسخيري وبشكل رسمي عضوًا في (حزب الدعوة)، الذي كان يديره آية الله السيد محمد باقر الصدر، وقبل أن ينضم إلى حزب الدعوة بدأ ولمدة بمطالعة منشورات حزب جماعة العلماء (تأسس هذا الحزب عام 1960م، على يد آية الله الحكيم ومجموعة من العلماء لمواجهة الأحزاب المعادية للإسلام، كالحزب الشيوعي)، كما تعرف على أهداف الحزب وبرامجه، وفي تلك الفترة الزمنية أنشد أشعارا مناهضة للنظام البعثي في العراق، الأمر الذي أدى إلى سجنه، لتحكم عليه المحكمة العراقية بالإعدام، ولكن تم إطلاق سراحه من السجن بوساطة الإمام الخميني وعلماء النجف الآخرين. لكنه استمر في محاربة هذا النظام البعثي حتى تم إخراجه من العراق عام 1972م؛ وذلك بسبب نضاله السياسي ضد النظام، فذهب إلى إيران واستقر بالقرب من حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع) في مدينة قم المقدسة.
قبل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، كان الفقيد يترجم في بعض مكاتب مراجع التقليد أجوبة الاستفتاءات، وأسئلة الناس الناطقين بالعربية، كما واصل نشاطه التبليغي والثقافي في قم بإصدار "مجلة الهادي" باللغة العربية في مؤسسة دار التبليغ الإسلامية، وبعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عمل في مختلف المناصب الثقافية والتبليغية والتنفيذية.
المسؤوليات
بعد الاستقرار في إيران، عمل آية الله التسخيري في البداية كمدير العلاقات الدولية لمنظمة الإعلام الإسلامي. وبعد تأسيس المجمع العالمي لأهل البيت (ع) في عام 1990 م، عينه آية الله الخامنئي، القائد الثورة الإسلامية الإيرانية، أمينًا عامًا للمجمع، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1999م.
كما ترأس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية منذ تأسيسها عام 1994 وحتى عام 2001م. ثم عينه آية الله الخامنئي أمينًا عامًا للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وفي نهاية هذه الفترة عام 2012م، تم تعيينه كالمشاور الأعلى لسماحة آية الله الخامنئي في الشؤون الدولية.
كان الراحل التسخيري أيضًا عضوًا في المجلس المركزي لجماعة علماء الدين المجاهدين، وفي عام 2015م انتخب في الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة ممثلا عن أهالي طهران، كما أنه كان من عام 1983م حتى نهاية حياته المباركة الممثل الرسمي الوحيد للشيعة الاثني عشرية في مجمع الفقه الإسلامي بجدة (المنتسب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي).
ومن نشاطاته الأخرى كان ممثلاً عن أهالي جيلان في الدورة الثالثة لمجلس خبراء القيادة، ونائب رئيس الاتحاد الدولي لعلماء الإسلام، ومستشار وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي في الشؤون الدولية، وعضو في هيئة أمناء منظمة الإعلام الإسلامي، ومدير قسم الشؤون الدولية لمكتب السيد الخامنئي منذ عام 1991م، وعضو الهيئة الشرعية للجنة التدقيق والمحاسبة للمؤسسات المالية في البحرين.
كما كان آية الله التسخيري أيضاً ممثلاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللجنة الشرعية للبنك الإسلامي للتنمية، فالبنك الإسلامي للتنمية هو كيان اقتصادي متعدد الأطراف تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث تم تأسيسه رسميًا منذ عام 1975م، والمساهمون الرئيسيون فيه هم السعودية، وإيران، ومصر، والكويت، وتركيا، وقطر، والإمارات. ومن أجل أسلمة أنشطة مؤسساته الكبيرة، شكّل هذا البنك لجانًا فقهية مؤلفة من فقهاء العالم الإسلامي.
آرائه التقريبية والقول بالوحدة
يُعرف آية الله التسخيري بأنه شخصية دولية في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية ووحدة المسلمين وحوار الأديان. وكان يرى بأن أساس التقريب أمر علمي، وكان يؤكد على أن المعنى الدقيق للتقريب هو إيجاد القواسم المشتركة، ومن ثم التعاون لتعزيزها.
مؤامرات الدول الغربية هي العقبة الرئيسية أمام وحدة المسلمين
من وجهة نظر آية الله التسخيري، إن العقبة الرئيسية أمام تقدم الوحدة والأخوة الإسلامية هي المؤامرات التي تُحاك من قبل أعداء العالم الإسلامي في الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث هناك تعارض بين أهداف الاستكبار العالمي وأعداء الإسلام، وبين مسألة التقريب والوحدة الإسلامية، ومن الموانع الأخرى للوحدة تعصب بعض العلماء أو المنتسبين للعلم، وجهل بعض المسلمين بحقيقة سائر المذاهب، والمصالح الخاصة للحكومات التي تحكم العالم الإسلامي.
الاستفادة من قابليات مجمع الفقه الإسلامي
كان يرى التسخيري بأن "مجمع الفقه في جدة" بوابة يمكن من خلالها أن يتعرف العالم الإسلامي على نظريات الجمهورية الإسلامية، وبرأيه يمكن طرح أفكار الثورة الإسلامية في مؤتمرات القادة، أو مؤتمرات وزراء الخارجية ومؤتمرات الخبراء، للحيلولة دون توقيع اتفاقيات ضد الشيعة والسنة، فكان يعتقد بأن إيران جزء من العالم الإسلامي، ولا يمكنها أن تتحرك بمعزل عن العالم الإسلامي.
نبذ الاختلافات المذهبية هو مفتاح وحدة المسلمين
من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين يرى الراحل التسخيري، أن من الضروري منع تحركات بعض المجموعات الجاهلة، حتى لا يسببوا التفرقة والنزاع بين الشيعة والسنة. ويرى بأن الدور الأكبر والأهم للإمام الخميني وآية الله الخامنئي هو هداية الصحوة الإسلامية وقيادتها، ويعتقد بأن كلامهما بشأن وحدة الشيعة والسنة، يتعلق بكل المسلمين، ولن يخص إيران فقط، وأن الهدف الرئيسي للثورة الإسلامية في السياسة الخارجية، هو تقديم يد العون لجميع مسلمي العالم.
الأعمال والمؤلفات
بالإضافة إلى التدريس والأنشطة الثقافية والسياسية، كتب آية الله التسخيري العديد من الأعمال حول المواضع الإسلامية، والعالم الإسلامي، ووحدة المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية باللغتين الفارسية والعربية، ومن أهم مؤلفاته وأعماله في هذا المجال، هي:
الوفاة
توفي آية الله التسخيري وودع الدار الفانية إلى الباقية، بعد نضال علمي وثقافي طيلة حياته للترويج لمدرسة أهل البيت (ع)، ومساع وجهود للتقريب بين المذاهب الإسلامية والوحدة بين المسلمين، في 18 أغسطس سنة 2020 م، الموافق 28 ذي الحجة سنة 1441 هـ، بسبب إصابته بمرض قلبي عن عمر يناهز 75 عامًا، في مستشفى خاتم الأنبياء في طهران، ونُقل جثمانه الطاهر إلى قم، في يوم 20 أغسطس، ثم شيّع جثمانه شرائح مختلفة من أهالي قم، وبعد صلاة الميت التي أقامها آية الله نوري الهمداني، دفن في حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام). وعقب رحيل هذا الناشط البارز في مجال التقريب، أصدرت العديد من الشخصيات والمؤسسات السياسية والدينية في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مسؤولين بارزين في الجمهورية الإسلامية، بيانات تعزية بوفاته، من أمثال: آية الله العظمى الخامنئي، وآية الله العظمى مكارم الشيرازي، وآية الله العظمى نوري الهمداني، والسيد عمار الحكيم الرئيس السابق للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق، وآية الله رمضاني الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت (ع).
وجاء في جزء من رسالة التعزية التي بعثها قائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي:
"إنّ سجلّ هذه الهامة المقاومة التي لا تعرف الكلل لامعٌ بالفعل فيما يخصّ أنواع الخدمات البارزة في المحافل الإسلاميّة العالميّة. كما أنّ إرادة سماحته الراسخة وقلبه المغمور بالدوافع تفوّقا على عجزه الجسديّ خلال الأعوام الأخيرة، ودفعا باتّجاه مواصلة مشاركته الفاعلة والمباركة في أيّ نقطة ضروريّة ومفيدة. إنّ مسؤوليّات وخدمات سماحته داخل البلد هي أيضاً فصلٌ آخر وقيّم من جهود هذا العالم الفاضل والمسؤول".
مجلس التأبين
بعد وفاة رائد الوحدة الإسلامية، أقام مكتب آية الله الخامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مجلس تأبين للشيخ التسخيري بالتعاون مع أعضاء المجمع العالمي للتقريب الإسلامي، وجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، والمجلس الأعلى للحوزات العلمية، ومركز إدارة الحوزات العلمية، والمجمع العالمي لأهل البيت (ع)، وغيرها من المؤسسات الدينية والحوزوية، في 20 أغسطس 2020 م. بمدرسة الفيضية، وحضر المراسم شخصيات سياسية ودينية بارزة، وممثلون عن مراجع التقليد العظام، وشرائح مختلفة من الناس.
المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، منظمة غير حكومية وعالمية شيعية تعنى بنشر معارف أهل البيت عليهم السلام وترسيخ الوحدة الإسلامية والعمل على اكتشاف وتنظيم أتباع العترة الطاهرة (ع) وتعليمهم ودعمهم.
أنشئت المنظمة علي يد نخبة من الشيعة ويشرف عليها الولي الفقيه والمرجعية الشيعية العليا.
قد قامت المنظمة منذ تأسيسها بدور إيجابي في المستوي العالمي في ترسيخ أسس الوحدة بين مختلف المذاهب الإسلامية.